الجمعة، ٢٦ أكتوبر ٢٠٠٧

المصراع الأيسر ـ قصة قصيرة

المصراع الأيسر

قصة محمود البدوى

نهض " سعيد " من فراشه مبكرا وأخذ يرتب الشقة الجديدة التى انتقل إليها ليلة أمس وكانت مكونة من غرفة واحدة فسيحة وصالة فى إحدى العمارات بمصر الجديدة ..
وكان قد عثر عليها بعد مشقة وطول بحث .. وسر بها كثيرا لأنه سيجعل منها استوديو ومسكنا له .. وأخذ ينقل كتبه وأدوات الرسم .. ووضع اللوحة فى الفراندة .. وحولها كراسى من القش .. وشازلونج عليه حشية .. ثم علق الصور الزيتية فى الصالة .. وبعد أن انتهى من ذلك جلس يستريح فى الفراندة .. ويتطلع إلى ما حوله .. وكان يشعر براحة نفسية .. وباللذة التى يحس بها كل متنقل إلى شقة جديدة .. وكانت العمارات التى فى الشارع عالية مثل عمارته ..
وبدأ السكان يفتحون النوافذ ويخرجون إلى الشرفات .. وكانوا خليطا من المصريين والأجانب .. ورأى فى المنازل المواجهة له بعض الوجوه الجميلة فانتعش ونسى أنه لم يأخذ حاجته من النوم ..
وكان قد درس فى مدرسة الفنون الجميلة وفى المدرسة الإيطالية .. وعشق الرسم منذ الطفولة .. واتخذ المذهب الواقعى .. وكان منذ تخرج يبحث عن عمل ليأكل منه .. ثم يرسم فى الفراغ .. ويبيع لوحاته .. ولكنه لم يجد أى عمل .. وساءه هذا .. وساءه أكثر أنه سيتبطل .. وسيظل عالة على والده فى القرية حتى بعد أن يتخرج .. وأصبح رجلا .. ورأى أن يخطو خطوة عملية .. فاتفق مع ثلاثة من زملائه .. على أن يفتحوا معرضا صغيرا يبيعون فيه لوحاتهم .. وأجروا محلا بستة جنيهات فى الشهر .. بجوار دار من دور السينما .. ولكن مضت الشهور الأولى وهم لايحصلون حتى على إيجار الدكان .. وتراكمت عليهم الديون .. وحجز صاحب المحل على ما فيه من صور وأدوات وباعها فى المزاد ..
وفى اليوم المحدد للبيع هرب الثلاثة وبكوا من التأثر كأن الذى يباع فى المزاد هو أثاث " مرغريت غادة الكاميليا ".. ولكن سعيد لم ييأس كلية .. فأخذ يرسل صوره إلى حوانيت بيع اللوحات فى شوارع شريف وعدلى وقصر النيل .. وكان يبيع بعضها ويعيش من ثمنها ومما يرسله له والده فى القرية حتى يحصل على عمل ثابت ..
وكان يزيد حالته المالية سوءا أنه لا يجد فى هذا الجو الشرقى .. إلا الموديلات المحترفات .. اللواتى يتقاضين أجورا على رسمهن .. ومنهن من تبالغ فى الأجر .. وكان يضايقه هذا ويزيده ألما .. وكان يحلم بالحصول على موديل من عائلة .. تفهم المسألة على أنها عمل وفن وتجرد من كل حس حيوانى ..
***
ولما عاد إلى حجرته .. فى المساء .. وجلس فى الفراندة فى الظلام ـ لأنه لم يكن قد أدخل النور الكهربى بعد ـ رأى فى البيت الملاصق له .. امرأة .. تتحرك فى غرفتها .. وكان المصراع الأيسر من النافذة هو المفتوح .. وكانت ترتدى ملابس سوداء وعلى رأسها طرحة قد أدارتها حول جيدها وأسدلتها على صدرها .. وبدا وجهها فى هذا السواد متألقا كالمصباح .. وكانت كأنها عائدة من حفلة حداد أو تعزية فى ميت .. وأخذت تروح وتجىء فى الغرفة وهى بكامل ثيابها ثم أخذت تتجرد من ملابسها قطعة قطعة .. ولعلها كانت مطمئنة تماما إلى أنه لا أحد يراها .. لأنها تمهلت وهى تفعل ذلك ..
وبقيت مدة طويلة وهى بملابسها الداخلية .. ثم جلست على حافة السرير وأخذت تخلع الجورب .. وكان سعيد يرى أناملها وهى تتحرك فى لين على ساقيها .. وأعجبه قوامها الممشوق وفتنة جسدها .. واحتفاظها بنضارتها وشبابها مع أنها تجاوزت سن الثلاثين ..
وتأمل محاسنها .. كانت طويلة القامة ممشوقة الجسم .. سوداء الشعر .. ملفوفة الساقين والفخذين .. صغيرة القدمين .. وكان وجهها طويلا .. وأسنانها بيضاء جميلة .. وعيناها سوداوين ناعستين فيهما كل مفاتن المرأة المصرية وسر لهذا الوجه الأبيض الجميل الذى يلبس الطرحة ويرتدى السواد .. وتمنى لو تكون موديلا له .. ونام وصورة هذه المرأة فى مخيلته ..
وكان يرسم فى الصباح والمساء ويقضى نهاره فى العمل والتنقل على عملائه التجار الذين يعرضون لوحاته .. فإذا آوى إلى فراشه فى الليل استغرق فى النعاس ..
وكان قبل أن ينتقل إلى مصر الجديدة يسكن فى الحلمية .. وهناك عرف فتاة فى المنزل الذى يسكنه وأحبها من كل قلبه .. فلما انتقلت مع عمها إلى حلوان .. لأنها كانت يتيمة وتعيش فى كنفه كره الحى بعدها .. وبحث عن مسكن آخر .. وكانت " فتحية " تحبه .. ونسيت فى صحبته أحزانها .. موت والدها .. وغرق زوجها .. والحياة الذليلة التى تحياها فى بيت عمها .. نسيت كل هذا عندما التقت به .. وكانت تعرف أنه رسام وفنان .. يرسم النساء وحتى البغايا منهن وهن عرايا .. لأنه يرسم العرى .. ولكنها رغم هذا كله أحبته ولم تستطع أن تقاوم حبه وكان سعيد بحبها ويعدها للمستقبل .. وقد أتاحت له الحياة فرصة الانفراد بها أكثر من مرة .. ولكنه لم يتعد معها .. الحب العذرى .. لأنه كان يراها أصلح زوجة له .. لأنها تفهمه كفنان وتقدر عمله ..
وكانت قد أعطته عنوان سكنها فى حلوان والتليفون الذى يمكن أن يكلمها فيه .. فلما انتقل إلى مصر الجديدة عرفها بعنوانه .. وطلب أن يقابلها فى القاهرة .. وانتظرها عند حلوانى فى قصر النيل .. وجاءت وعرض عليها أن يريها مسكنه الجديد .. وركبا المترو إلى هناك ..
***
وسرت بالبيت كثيرا .. وبالحى الذى فيه .. وجلست على الكرسى الطويل تستريح .. ورأت على اللوحة .. رسم امرأة عارية لم يكمل بعد فسألته وهى تديم النظر إلى الصورة :
ـ من الذاكرة ..؟
ـ لا .. إنها صورة طبيعية ..
ـ وصاحبتها تجىء إلى هنا .. وتأخذ هذا الوضع ..؟
ـ بالطبع وهى مع الأسف أجنبية .. وأتمنى أن تكون مصرية ..
ـ وتحترمها بعد ذلك لو رأيتها فى مجتمع .. أو قابلتها فى أى مكان ..؟
ـ بالطبع .. ما فى ذلك شك ..
ـ وتتزوجها ..؟
ـ إذا كنت أحبها ..
ـ بعد أن تخلع ملابسها هكذا ..؟ وتصبح عارية ..؟
ـ إن هذا العمل يزيدها رفعة فى نظرى ..
ـ أرجوك .. أسكت .. أننا لسنا فى باريس ..
ثم سألته :
ـ وهذه المرأة تعيش .. من هذا العمل ..؟
ـ إلى حد ما .. وقد تعجبين إذا عرفت أنها متزوجة .. حديثا ..
ـ وزوجها يأتى معها ..؟
ـ لا ..
ـ أنه لا يحبها ..
ـ لماذا ..؟
ـ لأنه يتركها للآخرين .. يونانية ..؟
ـ إيطالية .. ولها ولدان ..
ـ عجيب ..!!
وتحركت فى دلال ثم عادت ووقفت أمام الصورة .. وقالت :
ـ سألتقى بها يوما ما .. وأعرف السر الذى فى عينيها ..
ـ هل تنبهت إليه ..؟
ـ انه واضح .. وما أعمق سرها ..
ـ فى عين كل امرأة مثل هذا السر ..
ـ حتى فى عينى ..؟
ـ حتى فى عينيك .. دعينى أرى ..
ـ واقترب منها .. وأمسك بكلتا يديها .. ونظر إلى أعماق عينيها .. وجاوبت على نظراته بنظرة مثلها .. ورأى فيهما الرقة .. والصفاء .. واقترب منها وشدها إليه .. فأفلتت منه فى دلال .. وهى تقول :
ـ صاحبتك شايفانا .. وبعدين تزعل منك ..
ـ حغطيها ..
ـ ولو .. لايمكن تبوسنى ودى هنا ..
ولم يعجب لهذا التصرف من امرأة ..!!
وكانت هناك رواية الطاحونة الحمراء معروضة فى سينما .. بالقاهرة .. عن حياة الرسام هنرى تولوز .. فعرض عليها أن يشاهدا الفيلم معا فى حفلة الساعة 6 فقبلت .. وشاهدا الرواية .. وجلسا فى الكراسى الخلفية .. وهى بجانبه .. وتشابكت أيديهما وتضاغطت فى الظلام .. وهو يشعر بلذة حبيبة .. ورأى فى عينيها .. بريقا أخاذا لم يشاهده من قبل أبدا .. وتحت تأثير هذا البريق وجد نفسه ينحنى عليها ويقبلها .. وشعر بحلاوة القبلة ولذتها .. وكان يود أن يستزيد من هذه الحلاوة ولكنها دفعته عنها فى رفق .. وهى تقول :
ـ خلينا نشوف الفيلم ..
وعجب وساءل نفسه .. لماذا هذه القبلة لذيذة .. وهو قد قبلها من قبل مرارا .. فى بيته .. ولم يشعر بمثل هذه الحلاوة ..
وسألته وهما خارجان :
ـ أعجبك الفيلم ..؟
ـ عظيم .. ولكننى أفضل كتاب البير لامور عليه .. وقد قرأته .. أكثر من مرة .. وكونت لنفسى صورا ذهنية لم تعرضها الشاشة .. ولم تبلغها بعد .. لقد قصرت عنها .. وهذا ما يجعلنى أطمئن على مستقبل الكتاب رغم مساوىء الحضارة ..
***
ومشيا إلى محطة باب اللوق وأركبها القطار .. وأخذ يذرع الشوارع وحيدا حتى ركب آخر مترو إلى مصر الجديدة ..
كان يشعر بالسعادة وقرر فى تلك اللحظة أنه لا يستطيع أن يعيش إلا وفتحية معه تحت سقف واحد ..
***
ولكن فى الجانب الآخر ومن المصراع الأيسر من النافذة .. كان يرى المرأة الأخرى .. تروح وتجىء أمامه .. فى النهار والليل .. وأخذت تحتل جانبا من حياته وفكره .. ثم أخذت تشغله حتى عن نفسه وعمله .. وكان يمضى الساعات الطويلة .. ناظرا إليها ..وكأنها تجذبه إليها بقوة المغناطيس .. وسرعة جذبه .. ووجد نفسه أسيرا لها ومتيما بها ولم يستطع تعليل هذا الحب العنيف .. وهذا التحول المفاجىء .. إلا بكونه رأى فى وجهها الأبيض وجسدها شيئا لم يشاهده فى امرأة أخرى ..
وسأل عنها .. وعرف أن اسمها " الهام " .. وأنها أرملة وزوجها توفى منذ خمسة أعوام .. ولم تشأ أن تتزوج بعده .. وقد ترك لها زوجها ثروة كبيرة فهى ليست فى حاجة إلى رعاية رجل ..
وكانت فتحية تتردد على سكنه وتجلس بجواره وهو يرسم اللوحات وينقل عن مشاهير الرسامين .. وقد اكتسبت من طول عشرتها له ثقافة فنية .. فكانت تعرف صور .. كوخ .. ورامبرانت .. ورفائيل .. ومعظم الأعمال الخالدة للمشاهير وكان يتمنى أن يرسمها بكامل ملابسها ولكنها كانت تمانع .. فعرض عليها أن يرسمها بكامل ملابسها .. فقبلت وجلست أمامه .. ثلاث جلسات طويلة .. وكانت الصورة رائعة .. فسرت بها جدا .. وكانت ترى صور النساء العرايا فى الأستوديو .. وتغار .. وتتمنى أن تكون بينهن ..
وكانت تعرف مفاتنها وتعرف أنها لو رسمت أمامه عارية .. سينسى صاحبات هذه الصور .. ويصبح لها وحدها ..
فلما قال لها ذات يوم : " أننى لا أستريح إلا إذا رسمتك عارية ..
قالت له :
ـ على شرط ألا تعرضها ..
ـ وهل يعقل أننى أعرضك على الناس ..!!
ـ وحتى هنا .. أرجو أن تغطيها دائما .. وتخفيها عن زوارك ..
ـ بالطبع هذا ما سيحدث .. وسأجعل ستارا خفيفا على الجسد .. وما من إنسان سيعرفك .. حتى لو رآك فى معرض عام للصور .. وأنت تشغلين نفسك بالأوهام .. والحياة كبيرة وكبيرة جدا .. وفيها ملايين من النساء سواك .. فمن الذى سيشغل نفسه بصورتك ويبحث ويتساءل عنها .. اطمئنى تماما ..
واقتنعت ..
ودخلت وراء الستر لتخلع ملابسها .. ورسم وتأمل ثم استغرق فى عمله .. حتى شعر بالتعب .. وبثقل الفرشاة فى يده .. وكانت هى مسترخية صامتة .. ولا يدرى أحلامها ..
وألقى الفرشاة جانبا وتمطى وأغلق عينيه ووضع رأسه على حافة الحامل .. ونعس .. خمس دقائق أو عشر .. وعندما صحا وذهب إليها .. وجدها مغلقة عينيها ونعسانة .. فجثا على ركبتيه واقترب منها .. ومر بشفتيه فى خفة على شفتيها .. ففتحت عينيها ببطء .. ووجدته يقبلها ..
وسألته فى دلال :
ـ أنت بتعمل كده .. مع كل اللى بترسمهم ..؟
ـ طبعا ..
ـ أنت شيطان ..
وشدته إليها .. وضغطت عليه بذراعيها العاريتين .. وأخذ يقبل كل جزء من جسمها فى جنون .. ويمزج رضابه برضابها .. وعرقه بعرقها .. وعندما ضمها إليه ورأت فى عينيه الرغبة التى كانت تعذبه أسلمته نفسها .. ولم يعرف مغبة عمله .. لأنه راح فى دوامة من اللذة ..
وعندما جلس بعد ذلك بأيام أمام اللوحة .. لم يستطع أن يكمل الصورة الرائعة .. التى بدأها لها .. وظلت الصورة على الحامل ناقصة ..!!
***
وكانت الهام هانم .. فى الجانب الآخر ومن المصراع الأيسر .. قد أخذت تشغله عن كل شىء وتحتل كل تفكيره حتى تمكنت منه كلية .. وأصبح يرى صورتها تلاحقه فى كل مكان يذهب إليه .. وكان يراها فى بيته كأنها تطل عليه من البراويز التى فى الأستوديو ..
ورآها مرة .. تطل عليه من الحامل فألقى بالفرشاة وأخذ يبكى .. وذات يوم كان يعانق فتحية فخيل إليه أنه يرى الهام .. تنظر إليه من فوق رأسه وعلى شفتيها ابتسامة ..!!
وذات ليلة رآها من الشرفة تصلى فى غرفتها وهى مرتدية ثوبا أسود وقد غطت رأسها ويديها بطرحة .. وأخذ يحدق فيها ويتأمل مفاتن جسمها التى أبرزها الثوب الضيق وأطال التحديق والنظر .. ثم ارتمى على الفراش .. وأخذ يبكى .. لأنه لم يرع حرمة الصلاة .. ولم يذكر أنها واقفة أمام .. الله ..
وخجل من نفسه لأنه طاوع الشيطان فجعل يشتهيها وينظر إلى جسمها .. حتى وهى تصلى ..
وبكى كثيرا واستغفر ربه ..
***
وعندما استيقظ فى الصباح .. وضع الحامل .. بجوار النافذة وأخذ يرسم لها صورة كما يراها من وراء المصراع الأيسر .. وكان فى حمى الحب وناره .. وكان يرسمها وهى جالسة فى غرفتها .. فإذا خرجت منها لبعض شئونها انتظرها حتى تعود وأخذ يرسم .. وظل على ذلك اسبوعا .. بطوله .. وقد حبس نفسه .. وتفرغ لعمله حتى أصبح فانيا فيه باذلا له كل جهده .. وخيل إليه أنه يغمس الفرشاة فى زوايا قلبه ويرسم .. وكانت الفرشاة مطواعة والألوان متناسقة .. والظلال رائعة .. وعندما أكمل الصورة تنفس الصعداء .. فقد عمل أعظم شىء فى حياته .. ولكن التعب والجوع كانا قد نالا منه فلم يستطع الخروج وزحف إلى الفراش وتمدد عليه ..
***
وكان هناك معرض للفنانين فى الجزيرة فأشار عليه أصحابه بعرض الصورة .. فتردد أولا .. ثم حملها بنفسه إلى المعرض .. ونالت الجائزة الأولى .. وأصبحت محط أنظار الزوار .. وتحدث عنها الفنانون فى كل مكان ..
وتقدم أحد عشاق الصور ليشتريها .. ولكن سعيد رفض أن يبيعها وعرض زائر آخر مبلغا مغريا لم يحلم به .. عرض 500 جنيه .. ولكنه رفض أيضا .. وقال له أصحابه " إنك مجنون فى حاجة إلى قرش واحد من هذه الجنيهات .. وتستطيع بهذا المبلغ أن تعيش سنة فى بحبوحة وأن تنشل نفسك من البؤس الذى أنت فيه .."
ولكنه أصر على الرفض ، وكتب على الصورة :
" لا تباع "
***
وبعد أن انتهت أيام المعرض نقلها إلى بيته .. وهو يطير من السعادة .. فقد كانت الصورة بالنسبة له هى كل شىء فى الحياة ..
***
وعاش لإلهام .. ومرت الأيام وهو لا يفكر إلا فيها ولا يعيش إلا لأجلها .. وذات ليلة .. لمحها .. فى غرفتها .. وكانت ترتدى قميصا أبيض لأول مرة .. ومعها رجل .. ورأى الرجل يقبلها .. ويضمها إليه بعنف وهى تحاول الإفلات منه ضاحكة فى دلال الغوانى .. ولمحت سعيد وهو يرقبها .. فظهرت على وجهها سحنة لبؤة ..!!
وقالت للرجل الذى معها .. بصوت عال :
ـ تصور المجنون الممسوخ ده .. دائما يلاحقنى بنظراته .. حرم علىَّ أطلع البلكونة .. تصور أنه بينام فى الفراندة ..
وسحبت المصراع الأيسر وأغلقته فى وجهه بعنف .. وسمع سعيد صوت الهام لأول مرة .. كان خشنا كريها وسمع ضحكتها السوقية .. فانهارت كل أحلامه .. ولم يشعر بنفسه وهو يمسك سكينا حادة وينهال على صورتها ضربا وتمزيقا ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت القصة فى مجلة " الجيل الجديد " بالعدد رقم 156 فى تاريخ 20/12/1954 وأعيد نشرها فى كتاب " عذارى الليل " سنة 1956
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات: